الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية رسالة مفتوحة إلى الدكتور حامد القروي

نشر في  19 مارس 2014  (09:51)

 بقلم: محمد المنصف بن مراد

منذ أسابيع قليلة خلت، بدأت بعض الشخصيّات التجمّعية تظهر في أجهزة الإعلام تطالب بإنشاء حزب، وهذا من حقّهم الذي يكفله القانون مادام لم يمنعهم القضاء من ذلك لأنّ العقوبات السياسية الجماعية التي أقصت النهضة لا يجب أن تتكرّر اليوم ولا غدا.
لكن هناك مسائل يجب مناقشتها بكل هدوء ومسؤولية لأنّ مستقبل الشعب التونسي ستحدّده الانتخابات والأحزاب التي ستستقطب النّاخبين.
في البداية أذكرّك بأنّي كنت مدير مجلة حقائق Réalités وكان المرحوم بورقيبة وراء ايقافها في أكثر من مرّة، وإنّي أغفر له اليوم ذلك، فمزايا الزّعيم (تعليم، صحّة، حقوق المرأة) أهمّ بكثير من أخطائه الفادحة (الحزب الواحد، رفض الديمقراطية).. كما أذكّرك بأنّي كنت المواطن الوحيد الذي زار الرئيس المخلوع بن علي في بداية التسعينات لأؤكّد له انّ الانتخابات كانت مزيّفة وقد كنت شاهد عيان على ذلك بصفتي مسؤولا عن مكتب اقتراع في حمام الأنف ممّا سبّب حرمان جريدتي من الإشهار العمومي طيلة 15 سنة  واقصاء كل صحفيي «أخبار الجمورية» ومديرها من كلّ التظاهرات والرّحلات!
 وفضلا عن ذلك فقد كنت ضدّ نفوذ العائلات المالكة وخاصّة الطرابلسية وكنت ألمّح لهذا الرّفض في مقالاتي وأطالب بإعلام حرّ وانتخابات نزيهة وشفّافة وعفو تشريعي عام..
كما أتذكّر أنّي زرتك في مكتبك عندما كنت وزيرا للعدل وقد قلت لك آنذاك:«أحترمك كثيرا لأنّك رجل نظيف».. ولأنّي كنت صريحا وجريئا  ـ وأنت تعرف  ذلك حقّ المعرفة ـ  لابدّ أن ألتزم اليوم الصراحة ذاتها لأسألك:«هل أنت مقتنع بأنّ تونس بحاجة حاليا الى حزب تجمّعي؟ وكيف كان الشعب التونسي تحت حكم التجمّع؟».. ثمّ ألا تخشى اقصاء الدستوريين والتجمّعيين من الانتخابات المقبلة بتعلّة رجوعكم إلى الحقل الإعلامي والسياسي؟
لا يشكّ أحد في أنّ التجمّع ساهم في بناء البلاد وله أطر إدارية وقيادية ممتازة، لكنها لم تكن في أغلبها في خدمة الشعب بل في خدمة النظام والرئيس والعائلات المالكة  وخاصّة منها زوجة الرئيس.. كانت الدولة والأغلبيّة السّاحقة من الوزراء التجمّعيين يعملون لبناء تونس وفي الوقت نفسه أوفياء لمؤسّسة الرئاسة ولعائلات بن علي والطرابلسية والماطري.. هذه الازدواجيّة كانت «أمّ المصائب» لأنّ مصلحة الدولة أصبحت أيضا في مصلحة بعض العائلات.. هذا على الصعيد التنظيمي.
أما الشعب التونسي الكريم فكان يعيش مهازل الانتخابات المزيّفة واستعمال مؤسّسات الدولة كلها من وزارات وولايات ومعتمديات وسلك أمني لفائدة الرئيس  والعائلات الحاكمة.. وهكذا عمّ الفساد السياسي واستشرت الانتهازيّة، وباستثناء السيد محمد جغام الذي صارحته وصارحني ـ وهو وزير دفاع ـ حول مسؤولية بعض الوزراء في التصدّي لكلّ مجهودات «المتفتّحين» في حزب التجمّع، أو السيد كمال مرجان الذي لم يكن يغرّد مع السرب، وأقلية أخرى ممّن كانوا يريدون التقليص من هيمنة حزبهم، كانت الماكينة التجمّعية غير واعية بطموحات الشّعب والمعارضين وبحتمية الديمقراطية ومنافعها.. صحيح انّي عرفت الحزب  من الدّاخل عندما أسّست شعبة الديمقراطية لتقديم قائمة في الانتخابات البلدية بحمام الأنف من أجل إنقاذ مدينتي من النسيان والانهيار، لكن انسلخت من الحزب بعد أن وقع حشر أسماء بعض «المشتبه فيهم» في قائمتي.. لقد كان التجمع حزب بناء وفي الوقت نفسه حزب الميليشيات والوشايات وابتزاز العباد والحزب الأوحد.. كان مثل الدكتور «جاكيل» الذي يعالج العباد في النهار قبل أن يصبح السيد «هايد» في المساء ويقتل البعض منهم!
لقد كبّل «التجمّع» الإعلام ووظّف كل طاقات الدولة وأجهزتها لإركاع المعارضين والرّابطة التونسية لحقوق الانسان وسلك القضاة والأمن والأحزاب المعارضة الجدّية، كما روّع المواطنين وغرس فكرة الانتهازية والمصلحيّة في أذهان جلّ المواطنين.. أمّا في ما يخصّ بعض الولايات فلم يكن للتجمّع ولا للنّظام برنامج واضح لتنميتها وتشغيل شبابها رغم ما يزعم في الخطب الرنّانة، مع العلم أنّ كل هذه الحقائق يعرفها القاصي والدّاني، وبالتالي فأنا لا أذيع أسرارا.. وفضلا عن كل هذه السلبيات التي لا يمكن انكارها، فقد أتاح النظام لتونس الاستقرار وأراحها من الارهاب ونجح في الضغط على الأسعار وحافظ على حقوق المرأة وأنجز مشاريع كبرى وضمن نموا فاق 4 ٪.. ولولا العائلات الفاسدة وأخطاء النظام وعدم امتلاكه لرؤية اجتماعيّة عادلة وعدم توفيره حماية لكلّ رجال الأعمال من الطرابلسية وعائلة صخر الماطري وحلفائهم، لأصبح نمو تونس يفوق الرقمين!
فقبل ان نتحدّث عن الإرث الدستوري ثم التجمّعي، على كل من يدافع عن التجمع او تحمّل مسؤولية كبرى،  ان يعترف بأخطاء هذا الحزب ومظالمه لأنّ الشعب ونخبه ملّوا تغوّل الحزب الواحد ومساندته للفاسدين الكبار!
إنّ المصارحة والاعتراف بالأخطاء من قبل رموز التجمّع واجب سياسي وتاريخي وخاصّة أخلاقي، علما أني أرفض كل أشكال المحاكمات السيايسة والاقصاء الجماعي الذي هو بمثابة الانتقام ويعدّ ـ  خطأ ـ لفوز بعض الأحزاب التي تخشى المنافسة لأنّها فقدت شيئا من شعبيّتها!
قبل الرّجوع الى السّاحة السياسية وربما الانتخابية، فإن أعدادا هامّة من الشعب التونسي ونخبه تنتظر مصارحة رموز التجمّع، وأنا هنا لا أشير الى الإطارات المتوسّطة أو المنخرطين من عامّة الناس الذين انساقوا ـ مكرهين أحيانا أوطمعا ـ  في تيّارسياسي حاكم! ولو تخلّص حزب التجمّع وحتى العائلة الدستورية من كل سلبيات الماضي وأعلنا ذلك صراحة وبصفة رسميّة، فقد تتمّ المصالحة بين الماضي والحاضر..
وإنّي على يقين من ان المؤرّخين سيدرسون تاريخ بلادنا بعد عقود انطلاقا من مثل هذه القراءة...
لقد كان التجمّع مزدوج الشخصية والسلوك، ولأنّي أحترم الشعب التونسي وأحترمك أنت أيضا أقترح عليك المصارحة كوسيلة لمعرفة التاريخ وكنقطة انطلاق نحو المستقبل.. وإنّي على استعداد لزيارتك في سوسة نظرا أنّك تكبرني سنّا لمواصلة النّقاش حول هذا الموضوع.
إنّنا بحاجة إلى تونس جديدة تحافظ على ايجابيّات الماضي وتتخلّى عن كلّ سلبيّاته وتضيف الى كلّ ذلك مطالب وتطلّعات الشّباب والولايات التي كانت مهمّشة!
إنّ من حقّ كلّ تونسي لم يقصه القضاء أن يتعاطى السياسة ويترشّح لمختلف المناصب، وفي الأثناء فإنّ الشعب التونسي في انتظار المصارحة وطيّ الصفحة ما عدا من ارتكب أو أذن بجريمة قتل!